يُعتبر هجر الزوجة من المشكلات التي تهدد الكيان الأسري وتؤدي إلى حالة من الخلل الاجتماعي وهي غالباً ما تنتهي إما بعودة الزوج إلى عش الزوجية وإما بالطلاق أو بأن ترتضي الزوجة بالظلم وتبقى معلّقة مضحية من أجل أبنائها.
* ثَمّة أشكال عديدة للهجر، منها: هجر المسكن، أي أن لا يحضر الزوج نهائياً إلى بيت الزوجية، والهجر المؤقت، وفيه يغيب الزوج أشهراً ثم يأتي أياماً، وهجر الفراش، أي أن ينام الزوج في البيت، ولكن في غرفة أخرى بعيداً عن زوجته. فما الأسباب التي تدفع الزوج إلى هجر زوجته؟ وكيف يتم التعامل مع مثل هذه القضايا؟ وما فرص الزوجة في كسب قضيتها؟
- قضايا ومؤشرات:
قد تعود هذه الأسباب إلى الإهانة والضرر، وعدم تحمّل المسؤولية، كعامل أول في طلب الطلاق، وعدم التوافق العائلي الذي شكّل العامل الثاني، بينما جاء العامل الاقتصادي، المتمثل في عدم الإنفاق في المرتبة الثالثة، ليتبع ذلك أسباب عدة مختلفة متمثلة في الغيات عن المنزل من دون مبرّر، إضافة إلى عوامل الشك والغيرة والسكن مع الأهل والزواج بأخرى. فما المؤشرات التي ترتبط بهجر الزوجات؟
"لا توجد مؤشرات محددة للهجر، ولكن يمكن تحديد أسباب هروب الزوج من مشكلات البيت، وهمومه، خاصة إذا كانت الزوجة من النوع النكدي، أو كثيرة العتاب، والطلبات. فيلجأ الرجل إلى الهروب، خاصة إذا توفر له مسكن آخر".
"كذلك، فإن وجود الزوجتين يدفع بعض الأزواج إلى هجر إحداهما، فإن كان زواجه الثاني معروفاً وحصلت مشكلات مع الأولى، هجرها وبقي مع الثانية. وإذا كان زواجه بالثانية غير علني، هجرها حتى لا تكتشف الزوجة الأولى أموره". و"أيضاً، قد تدفع القضايا المالية ومطالبة الدائنين وأوامر القبض على الزوج بسبب قضاياه، إلى هروبه وتخفّيه في مكان غير معلوم. وكذلك، تُعتبر انحرافات الزوج السلوكية والأخلاقية سبباً رئيسياً للهجر، وبقاء الزوج مع أصدقاء السوء".
- صلح:
أن "أغلبية الحالات، تطالب بالطلاق، للضرر الواقع عليها، والبعض يطالبن بالصلح وحُسن العشرة، والبعض يسكتن عن الهجر ويطالبن بحقوقهن وحقوق أولادهن المادية"، كذلك فأن "بعض شكاوى الهجر، تكون أحياناً وهمية حتى تتسلّم النساء المساعدات من المؤسسات الخيرية".
- مصاعب:
ورداً على المصاعب التي تواجه الزوجة المهجورة، تقول المواطنة سعدية إبراهيم (متزوجة منذ 5 سنوات) إنها لجأت إلى المحكمة "لأن زوجي لا ينفق على الأولاد"، لافتة إلى أنهم طلبوا منها تقديم إثبات على ذلك. تضيف: "تزوجت صغيرة ولم يكن عمري وقتها قد تجاوز الـ15 عاماً، حيث أجبرني أهلي على الزواج لأن العريس كان في نظرهم مناسباً. عشت معه الحياة ورضيت بأمر الله. وبعد أن أنجبت طفلتي، تغيَّر معي، وبدأ يعاملني بعنف وإساءة". تتابع: "تغاضيت عن معاملته السيئة، وحاولت أن أصلح منه كي تسير الحياة. ولكن الأمور تفاقمت فطلبت الطلاق. وكان عقابي أن تركني مُعلّقة، لا متزوجة ولا مطلقة. وتخلّى عن الإنفاق على الأولاد"، مشيرة إلى أن "آخر محطة كانت المحكمة بعد أن لجأت إلى أهله، الذين تخلوا عني بدورهم". تستطرد: "كلما حضر أمام القاضي أنكر الهجر، وعدم الإنفاق، واتهمني بالإسراف".
- الرضا بالواقع:
من ناحيتها، تقول أم عمرو (يمنية الأصل عمرها 23 سنة ومتزوجة منذ 3 أعوام، وهي زوجة ثانية) إنها بعد أن أنجبت ابنها (عمرو) توترت العلاقة بينها وبين زوجها بسبب الالتزامات الأسرية. وتلفت إلى أنه "كان ينفق على زوجته الأولى وأبنائها، بينما تركني وابني من دون نفقة وهجر البيت". تضيف: "بحثت عن عمل كي أعيش منه. حيث عملت كمصممة عباءات، على الرغم من أن العمل الحر هو رزق كل يوم بيومه، لكن بعد الأزمة المالية تأزمت الأمور".
لماذا لا تفكرين في الانفصال والزواج مرة أخرى؟ تُجيب: "رفعت عليه دعوى طلاق، وهو تعهد أمام القاضي بالإنفاق علينا، فرضيت بذلك وقبلت الصلح، لكنه لم يلتزم". تتابع قائلة: "فضلت أن أكون معلّقة بدلاً من مطلقة. لو تزوجت مرة أخرى، فسوف أُحرم من ابني. ذلك أن قوانين الأحوال الشخصية تعطي الأب حق الحضانة في حال زواج الأم. ولست على استعداد لأن أعيد تجربة الزواج مرة أخرى.
- السبب:
في رأي الصيدلانية ملك طرابلسي (فلسطينية) أن "الجفاف العاطفي، وبرود العلاقة الزوجية، سببان يجعلان الزوج يبحث عن الحب خارج البيت. كما أن عدم تقدير الزوج واحترامه يؤدي إلى توتر العلاقة ويحدث الهجران". في حين تقول حلا أمين أنّ "الله تعالى جعل الزواج مودة ورحمة، وفقدانها يؤدي إلى إنهاء العلاقة الزوجية". تضيف: "حدث أن زوجة هجرها زوجها بعد عشر سنوات من الزواج، وكان ينفق عليها، فارتضت البقاء في هذا الوضع، كي تربي أبناءها. وبعد أن كبروا طلبت الطلاق". وفي رأي حلا أن "الزوجة، بعد أن تنجب الأطفال، قد تهمل في نفسها، ولا تهتم بزوجها، فيدفعه ذلك إلى أن يبحث عن زوجة أخرى".
- سر نجاح الحياة:
وتقول نادين مغامس (مهندسة كمبيوتر، متزوجة) إن سر نجاح الحياة الزوجية "هو التفاهم، والأخلاق الحميدة في التعامل بين الطرفين". وترى نادين أن "الرجل دائماً" غير منضبط وعينه زائغة خارج البيت. وعلى المرأة أن تلعب الدور المطلوب في الحفاظ عليه". وتؤكد أن "هجر الرجل يحصل في العديد من الحالات، منها أن تكون المرأة نكدية، أو صاحبة طلبات كثيرة، أو مهملة بيتها وجَمالها". وترى أن "الهجر من دون أسباب، يجعل المرأة تفكر في الطلاق، والبحث عن رجل آخر يتفهم ظروفها".
- الزوجة المعلّقة:
بدورها، تَعتبر سلمى إلياس (صيدلانية) أن "المرأة المهجورة تعاني أكثر من المطلقة. ومن حقها طلب الطلاق". وتقول "المرأة في مجتمعاتنا العربية منكوبة وليس من السهل الانفصال وإثبات الضرر". تضيف: "لقد تطلقت صديقتي "خُلعاً" بعد ثلاث سنوات من الهجر، ذاقت فيها الأمرّين. وكان الزوج لا يريد الطلاق انتقاماً منها".
بينما يَعتبر محيي الدين محمد (سوري) أن "الرجل الذي يترك زوجته معلّقة يفتقد الوازع الديني"، لافتاً إلى أن "بعض الأزواج يلقون بأعباء الأسرة، والأبناء على المرأة، ويفضلون العلاقات غير المشروعة". ويرى أن "رفيق السوء يلعب دوراً في حياة الزوج، إما أن يسمعه ويرده إلى صوابه، أو أن الأخير يفسد عليه حياته".
وتقول لبنى سالم (ربة بيت) إن صديقة لها "هجرها زوجها لفترة ستة شهور، حاولت بشتى الطرق، وجربت كل الحلول كي يعود إليها، ولكن من دون جدوى"، لافتة إلى أنها "عندما فشلت طلبت الطلاق".
أما عباس وردي (متزوج وأب لـ6 أبناء)، فيشير إلى أن "هناك أزواجاً هجروا زوجاتهم وعائلاتهم بسبب ظروف مادية قاهرة". ويقول: "من السهل أن يهجر الرجل زوجته، بينما من النادر أن تترك الزوجة زوجها وهو في محنة". يضيف: "المرأة تعاني هجر زوجها إذا كانت ظروفها المعيشية صعبة. فإما أن تجد عملاً تكسب منه قوتها وقوت أولادها، أو تذهب إلى بيت أهلها للإنفاق عليها، أو تنحرف".
"المجتمع دائماً يُلقي باللوم على المرأة حتى لو أشعلت له أصابعها العشر شموعاً". بهذه الكلمات، تُعبر شيرين جمال (ربة بيت) عن رأيها في الموضوع، لافتة إلى أنه "إذا كانت المرأة المهجورة تعمل، ولديها دخل ثابت فالمشكلة سهلة، أما إذا كانت لا تعمل فهنا الكارثة".
من جهتها، تعتبر زينب محمد (ربة بيت عراقية) أن "المشكلة تكمن في عدم التفاهم بين الزوجين، وحل المشكلة في بدايتها". هل حدث أن هجرك زوجك ولو لأيام؟ تجيب: "زوجي يعرف ربنا، فإذا حدثت خلاف نحلُّه فوراً. والحوار بين الأزواج هو أقصر الطرق لاستمرار الحياة الزوجية من دون مشكلات". تضيف: "هناك رجال يرون أن الزوجة لا تستقيم الا إذا هجرها الزوج ولو لأيام حتى لا تتفاقم الأمور، وبخاصة إذا كانت متسلطة، ومتعنتة".
- "المهدِّد الأسري":
إلى أي مدى تُعتبر الزوجة المهجورة حالة مألوفة في المجتمعات العربية؟ يقول رئيس قم علم الاجتماع في "جامعة الشارقة" الدكتور أحمد فلاح العموش، إنّ التغيُّرات الاجتماعية أدت إلى بروز مشكلات اجتماعية تمثلت في ما يسميه "مشكلة المهدِّد الأسري"، ما ينعكس سلباً على البنية الأسرية والعلاقات الزوجية، ويدفع الأبناء إلى الانحراف. وهكذا، تنسحب الزوجة المهجورة من المجتمع، لعدم قدرتها على التكيّف". ويشير إلى أن "السبب في بروز هذه المشكلة، يكمن في تفكك الروابط الأسرية، والإعلام، والفضاء التقني"، لافتاً إلى أن "البحث عن زوجة بديلة وعن العلاقات غير الشرعية، أدّى إلى خلل في المنظومة القيمية". ويؤكد العموش أن "المجتمع ينظر إلى الزوجة المهجورة بريبة وشك وعدم تقدير واحترام، ويحمّلها عبء هذه المسؤولية، وهي في الوقت نفسه ضحية الظروف الاجتماعية"، كاشفاً أن "ليس هناك إحصاءات دقيقة لحالات الهجر، ولأن كثيراً من الزوجات لا يبلغن عنها حفاظاً على أسرار الأسرة. ولأن القيم الاجتماعية تمنع الإفصاح عنها". ويقول إن "كثيراً من الحالات يؤدي في النهاية إلى الطلاق". ويشدد على أن "الهجر يؤثر في سلوك الزوجة، ويسبب لها جرحاً نفسياً عميقاً، فتكره الأبناء والبيت، وتصاب بالاكتئاب والعزلة". مؤكداً أنه لابدّ من خلق حالة تكيف بين الأم وأبنائها، وأن يقبل المجتمع باندماج الزوجة المهجورة. كذلك لابدّ من إيجاد مؤسسات اجتماعية خيرية، وتشريعات تحفظ حق الزوجة المهجورة".